خاضت قواتنا المسلحة حرب يونيه 1967 وحرب أكتوبر 1973 ضد نفس العدو وقد اختلفت النتيجة اختلافا واضحا بين الهزيمة والنصر واغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب يونيه هم أنفسهم
الذين اشتركوا في حرب أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات وهى فترة زمنية قصيرة لا يمكن أن يقال أن جيلا حل محل جيل فضلا عن ذلك فان الموقف العسكري الإستراتيجي في أكتوبر 1973 كان من أصعب المواقف العسكرية في ظروف سياسية معقدة وبرغم ذلك فقد عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر "
لا شىء أقسى على نفسى من كتابة ما حدث فى أكتوبر ، فلم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط ، وانما مأساة عاشت وستعيش معى حتى الموت ، فلقد وجدت نفسى فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ إنشائها . ولم تكن الصدمة فقط فى الطريقة التى كانوا يحاربونا بها .. ولكن أيضا لأن عددا من المعتقدات الأساسية التى آمنا بها قد أنهارت أمامنا ، فلقد آمنا باستحالة وقوع حرب فى شهر أكتوبر ... وآمنا بأننا سوف نتلقى إنذارا مبكرا لكل تحركات المصريين والسوريين قبل نشوب الحرب ، ثم إيماننا المطلق بقدرتنا على منع المصريين من عبور قناة السويس ....إننى استعيد الآن هذه الأيام ..... أنه شىء لا يمكن وصفه.. يكفى أن أقول إننى لم أستطع البكاء ، وكنت أمشى معظم الوقت فى مكتبى وأحيانا أذهب إلى غرفة العمليات ، وكانت هناك اجتماعات متواصلة وتليفونات من أمريكا واخبار مروعة من الجبهة وخسائرنا تمزق قلبى
وأذكر أنه فى يوم الأحد عاد ديان من الجبهة المصرية ، وطلب مقابلتى على الفور وأخبرنى أن الموقف سىء جدا وانه لابد من اتخاذ موقف الدفاع وان تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خط دفاع جديد واستمعت إليه فى فزع ، لقد عبر المصريون القناة !!!!!
قصة جندى مصرى من أبطال الدفاع الجوى الذين ساهموا فى كتابة حرب أكتوبر
هناك كثيرا من الذكريات فى قلوب مئات الألأف من الجنود الذين خاضوا اخر حروب مصر واشدها منذ الفراعنة واخشى انها سوف تموت معنا و لا يعلم أحدا شيئا عنها ـ عبد الله المصرى
رفع درجة الاستعداد "حالة أولى عمليات"
قبل بدء الحرب بعدة أيام شعرنا بأن شئ ما سيحدث فى القريب العاجل فقد صدر الامر برفع درجة الاستعداد إلى "حالة أولى عمليات" أى الحالة القصوى وهذا يعنى قتال واختفت طائرات التدريب من شاشات الرادار لنصبح مطلقى اليد وبدأنا نعد أنفسنا للرحيل الى الجبهة
سنقاتل .... سنقاتل .... الله أكبر
فى يوم السادس من أكتوبر إندلع القتال إنه يوم الثأر وتحرير الأرض و الذى كنا ننتظره بفارغ الصبر وبدأ جنود الكتيبة 14 ثائرين ... ماذا نفعل هنا ؟!! إن مكاننا هناك على الجبهة و اجتمع قائد الكتيبة بنا و قال نحن فى إنتظار الأوامر و فعلا وصل الأمر و كان سرورا عظيما سوف يكون لنا شرف الدفاع عن مصر و تحرير الارض و دخول التاريخ وبدأ الجنود يهتفون سنقاتل....سنقاتل... الله أكبر ... الله أكبر
التحرك إلى الجبهة
تم فك الكتيبة فى لمح البصر ووضعها على القطار المخصص لنا و المتجه إلى الجبهة و بدأ يطوى الطريق فى سرعة و كانت له الأولوية فقد كانت تقف جميع القطارات الأخرى لتفسح له الطريق وكان يتم تغيير القاطرة له بسرعة و وصل الى محطة "طنطا" على ما أذكر ليلا و كانت وجهتنا سرية ولم نكن نعلم من أى مكان سوف ندخل الجبهة ثم أتجه الى مدينة " المنصورة " و تم إنزال المعدات و علمنا أننا سوف نكمل الطريق بواسطة عرباتنا
الله معكم ... الله معكم
فى الصباح حدث اشتباك بين قواعد الصواريخ المحيطة بمدينة " المنصورة " و طائرات العدو وتم إسقاط عددا منها و فى المساء بدأ التحرك فى اتجاه " دمياط " و منها الى " بورسعيد ". لا أستطيع أن أنسى ابدا المصريين البسطاء من فلاحينا الذين خرجوا على طول الطريق من المنصورة حتى دمياط يقذفون لنا كل ما يملكون من حلوى و طعام حتى البصل و الفجل والجرجير والدعوات من كل فم الله معكم.. الله معكم... و نحن على عرباتنا "بشدة " القتال لقد شعرت أن مصر كلها أسرة واحدة
خطه الخداع
الخداع من جانب الجيش المصرى كان اكثر تأثيرا ، أعطت تعليمات للضباط الصغار بالكليات العسكرية بمواصلة الدراسة يوم 9 أكتوبر ، والضباط سمح لهم بالحج إلى مكة . ويوم 4 أكتوبر أعلنت وسائل الأعلام المصرية عن تسريح 20000 جندى إحتياطى ، وصباح يوم 6 اكتوبر نشر المصريين فرق خاصة على طول القناة وكانت مهمتهم أن يتحركوا بدون خوذ او أسلحة أو ملابس وأن يستحموا ويصطادوا السمك ويأكلوا البرتقال......
لابد ان الرقم 6 كان رقم انور السادات !
بل ..
لابد انه كان اهم رقم في حياته .. وتاريخه ..ومشواره السياسي
ففي 6 فبراير عام 1938 تخرج من الكلية الحربية .. وفي 6 يناير عام 1946 اشترك في اغتيال ( امين عثمان ) وفي 6 يناير 1950 عاد الى الخدمة في الجيش بعد ان طرد منه على اثر مصرع امين عثمان ..وفي 6 اكتوبر عام 1973 قاد حرب اكتوبر ، وفي 6 اكتوبر عام 1981 اغتيل بطريقة درامية يصعب على خيال امهر مخرجي الافلام البوليسية في العالم تصورها .. وفي 6 مارس عام 1982 صدرت الاحكام في قضية اغتياله ..
ولابد ان نعترف ، ان رقم 6 كان في كل هذه الاحوال ، والمناسبات ، رقما قدريا وليس من اختياره ..ولافضل له في تحديده ..!!!
____________________
6 أكتوبر المعجزة الكبري التي حققناها لا ينبغي أن تكون مجرد حكاوي نرددها كل عام، بل يجب أن تكون رمزا مضيئا للحاضر والمستقبل نقتدي به للعبور من التخلف إلي التقدم ومن الفساد إلي الشفافية ومن سلوكياتنا الشائنة إلي أخلاقيات التحضر.. حتي لا يصبح 6 أكتوبر علي مر الزمان مفاخرة تنضم إلي المفاخرات التي نرددها عن الفراعنة.. فلا يمكن لأمة ذات حاضر متواضع أن تعيش علي سمعة قديمة عظيمة