بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثالثة
عندما أرجع بالذاكرة الى الوراء أذكر جيدا ما حدث في تلك الأيام، ففي منتصف مايو أي قبل حرب الأيام الستة بشهر ونصف وعندما تقرر إلغاء الرحلة.
ومما أذكر أن الرحلة التدريبية التي تم إلغائها كانت تمثل ثلث المنهج التدريبي للسنة الثالثة وكان عليها درجات تساوى نصف درجات الترم الثاني، وبالتالي هي حاكمة في نجاح أو رسوب وكذا تقدير الطالب ، لذلك وقعت إدارة الكلية في حيص بيص، ماذا تفعل بهذا القدر من الدرجات. فتفق ذهن أحدهم أن يعطى الطلبة دورة صاعقة بدلا من الرحلة وتعطى الدرجات على النجاح لمن يجتازها، وتم البدء في تنفيذ هذه الدورة، و قتال بالأيدي وبالسلاح الأبيض ونط وزحف، وأضرب يا فدائي... وارقد يا فدائي... واطعن يا فدائي...... والفدائي طلعانه عينه وروحه، يعنى بدلا من الفسحة في البحر ولبس البذلة العسكرية والتبختر فيها و يا أرض أنهدى ما عليك قدي، وحفلات ودعوات وزيارات، وفرنسا وأسبانيا وايطاليا...و...و...و يتبدل الفدائي بالتدريب على القتال الحر والطعن، و الجري والنط، وتذمرنا بيننا وبين أنفسنا هو إحنا ضباط جيش، إحنا ضباط بحرية مالنا ومال المشي والجري والطعن، واللي زاد الطين بلة أن دورة الصاعقة لا يجوز فيها التسجيل في العيادة الطبية حتى لو مريض، حيث تلغى الدورة فورا وتطير درجاتها مع الرياح ويرسب الطالب، وانظروا ما حدث لي شخصيا ً.
قلت لكم انه كان في دفعتنا طلبة عراقيين كان منهم واحد ضخم الجسم طويل متين البنية قوى مفتول العضلات ، اسمه فيصل و كنا نطلق عليه ... الونش العراقي ... ، وكان هناك زميل آخر مصري مثله في كل الصفات واسمه ابوجبل فأطلقنا عليه..... الونش المصري ... أما أنا فلم أكن أطول اى منهم إلا لحد الكتف فقط رغم إنني كنت وقتها رياضي ومتناسق الجسم، وقد حدث إنني وقعت من على درجات السلم وأصيبت ركبتي اليمنى، وأصبحت أعرج ولا أستطيع المشي، فما بالك بالجري، ولو تقدمت للعيادة الطبية فالرسوب مضمون مضمون ، وماذا أفعل وفجر اليوم التالي سوف نجرى خمسة كيلو مترات، وجلست وجلس الطلبة حولي وكلنا مكتئبين، ولم يكن هناك حل وما هي إلا برهة و جاء الونشين وقالوا لي قم أقف وزى ما يكون موضوع قياس للأطوال بيننا نحن الثلاثة ثم انصرفا دون كلام قلت لننتظر للصباح لعل الله يجعل لي مخرجا.
وقد كان ففي الصباح إذا الونش العراقي والونش المصري يقفون عن يميني وعن يساري ومد كل منهم يده من تحت إبطي ورفعوني عن الأرض، وجرينا خمسة كيلومترات بهذه الطريقة، هما يجريان وأنا أجدف بأرجلي في الهواء بينهما زى فرقع لوز بتاع الرسوم المتحركة. وفي نهاية الفترة أنتهينا وانتهت دورة الصاعقة بعبور الغابة التي يتخفى فيها المدربين ليقفز كل منهم على الطالب ويوسعة ضربا، وعلى الطالب أن يدافع عن نفسه ويخترق طريقه ليعبر، ولم نسلم من الأذى حتى أن ثلاثة منا انكسرت أذرعهم ووضعت في الجبس.
ثم حدثت الحرب التي تكلمت عنها الحلقة الماضية، فتعجلوا تخريجنا قبل موعدنا المقرر وذلك بعد أن أطلقوا علينا اسم ( دفعة النكسة ) والذي التصق بنا لفترة طويلة.